ثفي الليلة الثالثة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان هناك رجل و كان طاعنا في السن و له زوجة و ثلاثة أولاد و هو فقير الحال و كان من عادته أنه يرمي شبكته كل يوم أربع مرات لا غير ثم انه خرج في يوم من الأيام في وقت الظهر إلى شاطئ البحر و حط مقطفه و طرح شبكته و صبر إلى أن استقرت في الماء ثم جمع خيطاها فوجدها ثقيلة فجدبها فلم يقدر على دلك فدهب بالطرف إلى البر ودق وتدا وربطها فيه ثم تعرى و غطس في الماء حول الشبكة و مازال يعالج حتى أطلعها و لبس ثيابه و أتى إلى الشبكة فوجد فيها حمارا ميتا فلما رأى دلك حزن و قال:لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال :إن هدا ثم قال :إن هدا رزق عجيب و أنشد يقول:
"يا خائضا في ظلام الليل و الهلكه أقصر عناك فليس الرزق بالحركة"
ثم انّ الصياد لما رأى الحمار الميت خلصه من الشبكة و عصرها فلما فرغ من عصرها نشرها و بعد دلك نزل البحر و قال كباسم الله و طرحها فيه و صبر عليها حتى استقرت. ثم جذبها فثقلت و رسخت أكثر من الأول أنه سمك فربط الشبكة و تعرى و نزل و غطس ثم عالجها إلى أن خلصها وأطلعها على البّر فوجد فيها زيرا كبير و هو ملآن برمل وطين فلما رأى ذك تأسف ثم أنه رمى الزير و عصر شبكته و نطفها و استغفر الله و عاد إلى البحر ثالث مرة و رمى الشبكة وصبر عليها حتى استقرت و جذبها فوجد فيها شقافة و قوارير فأنشد قول الشاعر:
" هو الرزق لا حل لديك و لا ربط و لا قلم يجدي عليك و لا حظّ "
ثم انه رفع رأسه إلى السماء و قال: اللهم تعلم إني لم أرم شبكتي غير أربع مرات و قد رميت ثلاثا ثم أنه سمى الله و رمى الشبكة في البحر و صبر إلى أن استقرت و جدبها و إذا بها اشتبكت في الأرض فقال:لا حول و لا قوة إلا بالله. فتعرى و غطس عليها و صار يعالج فيها إلى أن طلعت إلى البر و فتحها فوجد فيها قمقما من نحاس أصفر ملأنا و فمه مختوم برصاص عليه طابع سيدنا سليمان. رآه الصياد فرح وقال:هذا أبيعه في السوق فانه يساوي عشرة دنانير ذهبا ثم أنه حركه فوجده ثقيلا فقال: لابد أن افتحه و انظر ما فيه و أذخره في الحرج ثم أبيعه في سوق النحاس ثم أنه أخرج سكينا و عالج الرصاص إلى أن فكه من القمقم و حطه على الأرض و خرج من ذلك القمقم دخان صعد إلى عنان السماء و مشى على وجه الأرض فتعجب غاية العجب و بعد ذلك تكامل الدخان و اجتمع ثم انتفض فصار عفريتا رأسه في السحاب و رجلاه في التراب. ارتعدت فرائسه و تشبكت أسنانه و نشف ريقه و عمي عن طريقه فلما رآه العفريت قال :لا اله إلا الله سليمان نبي الله. فقال العفريت: يا نبي الله لا تقتلني فإني لا عدت أخالف لك قولا و لا أعصي لك أمرا فقال الصياد :أيها المارد أتقول سليمان نبي الله و سليمان مات من مدة ألف و ثمانمائة سنة و نحن في آخر الزمان فما قصتك و ما حديثك و ما سبب دخولك في هدا القمقم ؟ فلما سمع المارد كلام الصياد قال:لا إله إلا الله أبشر يا صياد فقال الصياد :فبماذا تبشرني فقال:بقتلك هده الساعة أشر القتلات فقال: و أي شيء يوجب قتلك و قد خلصتك من القمقم و نجيتك من قرار البحر و أطلعتك إلى البر فقال العفريت :تمنّ علي أي قتلت تقتلها قال الصياد ما ذنبي حتى يكون هدا جزائي منك؟ قال العفريت: اسمع حكايتي يا صياد قال الصياد:قل وأوجز في الكلام فإن روحي وصلت إلى قدمي.
قال:اعلم أني من الجن المارقين و قد عصيت سليمان بن داود وأنا صخر الجني فأرسل إلى وزيره اصف بن برخيا و قادني إليه و أنا ذليل على رغم أنفي و أوقفني بين يديه فلما رآني سليمان استعاد مني و عض علي الإيمان و الدخول تحت طاعته فأبيت فطلب هذا القمقم و حبسني فيه و ختم علي الرصاص و طبعه بالاسم الأعظم و أمر الجن فاحتملوني و ألقوني في وسط البحر فأقمت مائة عام و قلت في قلبي: كل من خلصني أغنيته إلى الأبد فمرت المائة عام و لم يخلصني أحد فمرت علي أربعمائة عام أخرى فقلت من خلصني أقضي له ثلاثة حاجات فلم يخلصني أحد فغضبت غضبا شديدا و قلت في نفسي : كل من خلصني في هده الساعة قتلته و منيته كيف يموت، و ها أنت خلصتني قد خلصتني و منيتك كيف تموت فلما سمع الصياد كلام العفريت قال: يا للعجب أنا ما جئت أخلصك إلا في هده الأيام قال الصياد للعفريت: اعف عن قتلي يعفو الله عنك ولا تهلكني يسلط الله عليك من يهلكك فقال: لا بد من قتلك فلما تحقق الصياد منه راجع العفريت وقال: اعف عني إكراما لما أعتقتك فقال العفريت: و أنا ما أقتلك إلا لأجل ما خلصتني فقال له الصياد: يا شيخ العفاريت أصنع مليحا فتقابلني بالقبيح ولكن لم يكذب المثل حيث قال:
"فعلنا جميلا قابلون بضده وهدا لعمري من فعال الفواجر"
"و من يفعل المعروف في غير أهله يجاز كما جوزي مجير أم عامر"
فلما سمع كلامه قال لا تطمع فلا بد من موتك. فقال الصياد: هذا جني و أنا إنسي و قد أعطاني الله عقلا كاملا و ها أنا أدبر أمرا في هلاكه بحيلتي و عقلي وهو يدبر بمكره و خبثه. ثم قال للعفريت: هل صممت على قتلي؟ قال: نعم. فقال له بالاسم الأعظم المنقوش على خاتم سليمان: أسألك عن شيء و تصدقني فيه؟ قال : نعم. ثم العفريت لما سمع الاسم الأعظم اضطرب و اهتز، و قال له:أسأل وأوجز فقال له كيف كنت هي هذا القمقم وهو لا يسع يدك ولا رجلك ،فقال له العفريت وهل أنت لا تصدق أنني كنت فيه فقال الصياد لا أصدق أبدا حتى أنظر فيه بعيني،وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
وفي الليلة الرابعة، قالت بلغني أيها الملك السعيد أن الصلاد لما قال للعفريت لا أصدقك حتى أنظر بعيني في القمقم فانتفض العفريت وصار دخانا صاعدا إلى الجو ثم اجتمع ودخل في القمقم قليلا حتى استكمل الدخان داخله وإذا بالصياد قد أسرع وأخذ سدادة الرصاص المختومة وسد بها فم القمقم وقال له تريد موتي لأرمينك في هذا البحر وابني لي هنا بيتا وكل من أتى هنا أمنعه أن يصطاد وأقول له هنا عفريت فلما سمعه العفريت أراد الخروج فلم يقدر رأى نفسه محبوسا ورأى عليه طبع خاتم سليمان وعلم أن الصياد سجنه في سجن أحقر العفاريت ثم أن الصياد ذهب بالقمقم إلى جهة البحر فقال له العفريت لا لا فقال الصياد لابد فلطف المارد كلامه وخضع وقال ما تريد أن تصنع بي يا صياد قال ألقيك في البحر إن كنت أقمت فيه ألفا وثمانمائة عام فأنا أجعلك تمكث إلى أن تقوم الساعة ،أما قلت لك أبقيني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فأبيت قولي و ما أردت إلا غدري فألقاك الله في يدي فغدرت بك فقال العفريت افتح لي حتى أحسن إليك فقال له الصياد تكذب يا ملعون أنا مثلي ومثلك مثل وزير الملك يونان والحكيم رويان .